الجمعة، 5 ديسمبر 2008

اقامة حدود الله ضرورة لاصلاح الامة

إقامة حدود الله
ضرورة لإصلاح الأمة

جمع وإعداد

مصطفى محمد ربيع






رقم الإيداع بدار الكتب المصرية
( 5109/2008)






طبع للمؤلف
ـ معجم فعل الأمر في القرآن الكريم
ـ 55سؤال في الفقه
ـ ختان الإناث
ـ الإجهاض ومقدار دية الجنين
ـ إن الدين عند الله الإسلام
ـ معجم لا الناهية في القرآن الكريم
ـ معجم الفعل الماضي في القرآن الكريم ثلاثة أجزاء
ـ الطلاق السني
ـ معجم لا الناهية في القرآن الكريم

رقم الإيداع بدار الكتب

5109/2008
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فما له من هاد وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ رسالة ربه وأدى الأمانة وكشف الله به الغمة وتصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 0
أما بعد
أيها الأخوة المسلمون فهذه مذكرة بسيطة جدا في التعريف بقيمة إقامة الحدود والحث على تطبيقها حتى تستقيم الحياة وتهنأ النفوس وهى مذكرة في صلب العقيدة وهو الإذعان والرضا والقبول لما قضى الله ورسوله من أحكام على العباد حتى يلاقوا الله خالين من الذنــوب
متطهرين من الخطايا والآثام ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )
ولم أتعرض في المذكرة لأنواع الحدود ومشروعيتها وأحكامها وأركانها وشرائطها ، بل هي مذكرة موجزة أو إن شئت فقل هي مقدمة للتعريف بقيمة إقامة الحدود في المجتمعات كما ذكرنا 0
نفعنا الله وإياكم بهذه المذكرة وجعلنا وإياكم ممن يرضون بأحكام الله طائعين له سبحانه وتعالى 0
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم
ــــــــ

معنى الحد في اللغة :
الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أَحدهما بالآخر أَو لئلا يتعدى أَحدهما على الآخر ... وجمعه حُدود 0
ـ وفصل ما بين كل شيئين حَدٌّ بينهما .
ـ ومنتهى كل شيء حَدُّه .
ـ ومنه أَحد حُدود الأَرضين ... وحُدود الحرم 0
ـ وحَدُّ كل شيءٍ:منتهاه لأَنه يردّه ويمنعه عن التمادي
ـ وحَدُّ السارق وغيره: ما يمنعه عن المعاودة
ويمنع أَيضاً غيره عن إِتيان الجنايات 0
وحَدَدْت الرجل: أَقمت عليه الحدّ 0
والمُحادَّة: ـ المخالفة ومنعُ ما يجب عليك وكذلك التَّحادُّ0
وفي حديث عبدا لله بن سـلام إِن قوماً حادّونا لما صدقنا الله ورسوله ( أي عادونا وخالفونا )0
المُحادَّة : ـ المعاداة والمخالفة والمنازعة وهو مُفاعلة من الحدّ كأَنّ كل واحد منهما يجاوز حدّه إِلى الآخر0
قال الله تعالى(إن الذين يحادون الله ورسوله) أي يعادون الله ورسوله 0
ومنه احداد المرأة على زوجها المتوفى, وحَدَّتِ المرأة على زوجها ( تَحِدُّ ) و ( تَحُدُّ )( حِدَادًا ) بالكسر فهي محدة
معجم لسان العرب
وفى كتاب التعريفات :
- الحد : قول دال على ماهية الشيء 0
- وحد الإعجاز: هو أن يرتقي الكلام في بلاغتــه إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته0
- والحد التام: ما يتركب من الجنس والفصــل القريبين كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق0
– والحد: في اللغة المنع 0وفي الاصطلاح : قول يشتمل على ما به الاشتراك وعلى ما به الامتياز0
ـ والحد المشترك:جزء وضع بين المقدارين يكون منتهى لأحدهما ومبتدأ للآخر ولا بد أن يكون مخالفا لهما0
*****************
فالحد لغة معناه :
المنع ،والحجز،والفصل بين الشيئين ، ومنتهى الشيء0
والتجاوز عن المقـدار المتعارف عليه .
ـــــــ
والحد في الشرع :
فقد ورد بمعنى التشريعات التي شرعها الله لعباده من الحلال والحرام ومن الأوامر والنواهي ... وسميت حدودا لأنها تفصـل وتميز بين ما يجوز وما لا يجوز ، وما يحل وما يحـرم ومن هذه الحدود معاص وفواحش لا تقرب
لقول الله تعالى :
تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة
ومنها ما لا يتعدى: كالمواريث المعينة وتزويج الأربع وتحديد الطلاق بثلاث والعدة للنساء0
ومنه قول الله تعالى:
تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) البقرة
وقوله تعالى:
وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً
فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ 14 النساء
ويطلق الحد في السياق الشرعي أيضا على العقوبات المقدرة المفروضة على المعاصي والكبائر كحد (الزنا) وحد (السرقة ) وحد (شرب الخمر) وحد (القذف) وحد(الردة) وحد (الحرابة)0
فالحد في الشرع : عقوبة مقدرة شرعا واجبـة لله تعالى
سواء أكانت حقا خالصا لله أو كانت حقا للعبد 0
والحدود أنواع :
حد الزنا ـ حد القذف ـ حد السرقة ـ حد الحرابة أو قطع الطريق ـ حد شرب الخمر ونحوه ـ وحد الردة ـ وحد البغي وهو الخروج على الحاكم المسلم الذي يقيم شرع الله0
أما القتل فهو قصاص :
لأنه وان كان مقدرا فانه حق للعباد لأن فيه العفــو
والاستبدال من القتل إلى الدية ، والحدود ليست فيها عفو ولا صلـح ولا استبدال إذا بلغت الحاكم أو من ينيبه وأما التعزير فليس بحد لأنه عقوبة ليست مقدرة وهى دون الحد للتأديب0
ـ والمراد أن الحدود حق خالص لله لأنها شرعت لصيانة الأعراض والأنساب والأموال والعقول والأنفس عن التعرض لها0لأن المجتمعات لا تحفظ إلا إذا حفظت ضروريات الحياة فيها وهى :حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال 0
فشرع الله الحدود وجعلها حق خالص له سبحانه وتعالى لا يجوز فيها الاستبدال بعقوبة أشد أو أخف لأنها عقوبات مقدرة شرعا0
ولا يجوز فيها العفو والصلح لأنها حق خالص لله 0
ولا يجوز فيها التأجيل لأنها تقدم المذنب لله تعالـى ليكفر له بها عن خطاياه فلا تأجيل في ذلك بل المسارعة لتكفير الخطايا والذنوب والكبائر0
فالحد لا يجوز فيه ثلاثة :
العفو ـ و التأجيل ـ والاستبدال
فمما ورد في العفو بين الناس و الشفاعة في الحدود ما لم تبلغ الحاكم :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس الدوري ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا إسرائيل عن أبي بكر بن أبي الجهم عن عروة بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: اشفعوا في الحدود ما لم تبلغ السلطان فإذا بلغت السلطان فلا تشفعوا) سنن البيهقى الكبرى
وفى سنن النسائي :
أخبرنا محمد بن هاشم قال حدثنا الوليد قال حدثنا بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلـم قال : تعافوا الحدود قبل أن تأتوني به فما أتاني من حد فقد وجب 0
قال الشيخ الألباني : صحيح
حدثنا سليمـان بن داود المهــري أخبرنا ابن وهب قال سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمـرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب 0 قال الشيخ الألباني صحيح
وقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها:
(أن قريشا أهمتهم المرأة المخزوميـة التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترىء عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال : أتشفع في حد من حـدود الله ؟! ثم قام فخطب الناس فقال: يا أيها الناس إنما ضل( وفى روايـة إنما هلك ) من كان قبلكـم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريـف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف (وفى رواية الوضيع ) أقامـوا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطـع
محمد يدها) البخاري ومسلم وكتب السنن
ـ لا يجوز الاستبدال في الحد :
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عبيد الله ابن عبد الله ابن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا: إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قل ) . قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الولـيدة والغنم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام اغد يا أنيـس إلى امرأة هذا
فإن اعترفت فارجمها ) . قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت البخاري

ـ ولا يجوز التأجيل: لأن الحدود كفارة لأهلها فيجب المسارعة إلى إقامة الحد حتى تطهر النفوس وتلقى الله على طهارة وتوبة :حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قال وحوله عصابة من أصحابه :( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن
شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ) .فبايعناه على ذلك البخاري ومسلم وكتب السنن
بعض شرح الحديث :
( شهد بدرا ) حضر غزوة بدر . ( النقباء ) جمع نقيب وهو عريف القوم وناظرهم والمراد الذين اختارهم الأوس والخزرج نقباء عليهم بطلب من النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم على ذلك ( ليلة العقبة ) الليلة التي بايع فيها صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا من الأوس والخزرج على النصرة وهي بيعة العقبة الثانية وكان ذلك عند جمرة العقبة بمنى والعقبة من الشيء الموضع المرتفع منه ( عصابة ) الجملة من الناس وهم ما بين العشرة إلى الأربعين ( بايعوني ) عاهدوني .( بهتان ) كذب فظيع يدهش سامعه ( تفترونه ) تختلقونه ( بين أيديكم وأرجلكم ) من عند أنفسكم ( ولا تعصوا في معروف ) لا تخالفوا في أمر لم ينه عنه الشرع . ( وفى ) ثبت على العهد . ( أصاب من ذلك شيئا ) وقع في مخالفة مما ذكر
( فعوقب ) نفذت عليه عقوبته من حد أو غيره .
ـ وأما من ( ستره الله ) لم يصل أمره إلى القضاء0
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن
أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت رضـي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال:( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا - وقرأ هذه الآية كلها - فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارتـه ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه إن شاء غفـر له وإن شاء عذبه ) البخاري ومسلم
ويضيق الحد وتضيق والعقوبــة في أضيق حدود ، ويدرأ الحد بالشبهة :(- حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا المسعودي عن القاسم قال قال عبد الله : ادرأوا الجلد والقتل عن عباد الله ما استطعتم0
( المعجم الكبير )
حدثنا أبو بكر قال حدثنا بن فضيــل عن الأعمش عن
إبراهيم قال كانوا يقولون ادرأوا الحدود عن عباد الله ما استطعتم ( مصنف ابن أبى شيبة
حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن يزيد بن زياد البصري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت :
ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإذا وجدتـم للمسلم مخرجا فخلوا سبيلـه فإن الإمام إذا اخطأ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة سنن البيهقى الكبرى
حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشيم عن منصـور عن الحارث عن إبراهيـم قال : قال عمر بن الخطاب لئن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات مصنف ابن أبى شيبة
حدثنا أحمد بن عبدة . أنبأنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف أن عثمان بن عفان أشرف عليهـم . فسمعهم وهم يذكرون القتل فقال إنهم ليتواعدنني بالقتل ؟ فلم يقتلوني ؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل دم امرئ
مسلم إلا في إحدى ثلاث رجل زنى وهو محصن فرجم . أو رجل قتل نفسا بغير نفس أو رجل ارتد بعد إسلامه فو الله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام ولا قتلت نفسا مسلمة( بغير نفس ) أي بغير حق لأن الغالب في القتل بغير نفس هو أن يكون بغيـر حق فعبر عنه بذلك . ]
ولاارتددت منذ أسلمت قال الشيخ الألباني : صحيح
ـ وعلى الوالي أو الحاكم أن يبادر إلى ذلك طاعة لله وحده لا شريك له0فان عبادة عوام الناس لله: أن يقيموا ماهو معلوم من الدين بالضرورة من صـلاة وصـيام وزكاة وحـج وأمر بمعروف ونهى عن منكر كل حسب طاقتـه في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر0
وعبادة القاضي: أن يقيم ماهو معلوم من الدين بالضـرورة ويزيد على ذلك أن لا يضيع حقا ويعدل في أحكامـه بين الناس ولا يأكل السحت (أي الرشوة) ليضيع حقوق الناس وأن يقضى بين الناس ولا يحيف ولا
يجور0
وعبادة العالم: أن يقيم ماهو معلوم من الدين بالضرورة ويزيد على ذلك أن لا يكتم علما ويقول كلمة الحـق ولا يخشى في الله لومة لائم ولا سلطان وييسر ولا يعسر ويبشر بالخير ولا ينفر ولا يفرط ولا يفرّط ويفعل الصواب ويقترب منه ولا يتبسط في معيشته و حياته إذا غلب الحرام الحلال ، والتيسير هنا أن لا يضيـع حدا ولا ينتهك محرما ولا يحل حراما لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة0
البخاري ومسلم وكتب السنن
وعبادة الحاكم أو الوالي أو السلطان : أن يقيم ماهو معلوم من الدين بالضرورة ويزيد على ذلك أن لا يضيع حدا ولا يعطل حدا إلا في مجاعـة أو زلازل أو براكين أو مصيبة تجتاح الأمة مثل غزو العدو وما إلى ذلك مما هو مبسوط في كتب العلم 0
وأن لا يشفع في حد خشية هلاك الأمة وهلاك رعيتـه
كما قدمنا ولما رواه أبو داوود في سننه من حديث المخزومية وشفاعة أسامة بن زيد رضي الله عنها عند النبي صلى الله عليه وسلم0
وأن لا يستبدل عقوبات الله بعقوبات من عنـده يشرعها للناس على هواه وأهوائهم بقوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان ظنا منه أنها تخدم المجتمع وتنظم شئون الحياة وهى باطلة من دون الله فان ،غير حكم الله هو حكم جاهلية فيه ظلم للناس، حيث العـدل في أحكام الله عز وجل يقول الله تعالى :
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّـةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ 50المائدة
وقال الله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّموكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً 65 النساء
فالحكم لله وحده لا شريك له
قال الله تعالى مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا
أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ۚ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّـمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون 40يوسف
فحكم الله هو العدل وهو الحق وهو المنجاة من ضيق العيش وكبد الدنيا والحياة ومن شرّع للناس أحكاما غير أحكام الله متعمدا لذلك ظنا منه أن أحكام الله رجعيـة أو أن أحكام الله صارت لا تنفع الناس معتقدا ذلك فقد كفر كفرا بواحا نعـوذ بالله من ذلك وعليه أن يبادر ويسارع بالتوبة والعودة إلى الحكم بما أنزل الله وبما شرع الله حتى ينجى نفسه أولا عند الله يوم القيامة وعليه ألا يخشى في الله لومة لائم أو لومة باطش متربص بقومه وبوطنه الدوائر أو يخشى بطانة سوء تتربص به الدوائر، وليعلم أنه يركن إلى ركن قوى ، يركن إلى الله وحده لا شريك له ، يركن إلى خالق الأكوان ومدبرها ، يركن
إلى الواحد الأحد الذي إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، وعليه أن ينجى قومـه ونفسه من عذاب الله
ويتقى الله فيهم بتعبيدهم لله سواء وافقوا أو أبوا فهو سلطانهم يزع الله به ما لا يزع بالقرآن0
يقول ابن تيمية رحمه الله في كتابه مجموع الفتاوى وكذا ابن القيم رحمه الله في كتابة الطرق الحكمية مثل كلامه :
إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعيـة فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن0
وإقامـة الحدود واجبـة على ولاة الأمور وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات فمنها عقوبات مقـدرة مثل جلد المفترى( القاذف ) ثمانين وقطع السارق ومنها عقوبات غير مقدرة قد تسمى التعزير وتختـلـف مقاديرها وصفاتها بحسب كبر الذنوب وصغرها وبحسب حال المذنب وبحســب
حال الذنب في قلته وكثرته0والتعزير أجناس فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام ومنه ما يكون بالحبس
ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن ومنه ما يكون بالضرب فان كان ذلك لترك واجب مثل الضرب على ترك الصلاة أو ترك أداء الحقوق الواجبة مثل ترك وفاء الدين مع القدرة عليه أو على ترك رد المغصوب أو أداء الأمانة إلى أهلها فانه يضرب مرة بعد مرة حتى يؤدى الواجب ويفرق الضرب عليه يوما بعد يوم وان كان الضرب على ذنب ماض جزاء بما كسب ونكالا من الله له ولغيره فهذا يفعل منه بقدر الحاجة فقط0
( مجموع الفتاوى لابن تيمية )
ويقول ابن تيمية أيضا في مجموع الفتاوى :
في بعض فوائد العقوبات المشروعة في الدنيا ضبط العوام كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : أن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن فان من يكون من المنافقين
والفجار فانه ينزجر بما يشاهده من العقوبات وينضبط عن انتهاك المحرمات 0
فهذه بعض فوائد العقوبات السلطانية المشروعة وأما فوائد الأمر والنهى فأعظم من أن يحصيها خطاب أو كتاب بل هي الجامعة لكل خير يطلب ويراد وفى الخروج عنها كل شر وفساد0
ويقول الإمام أبى حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين حول حاجة الناس إلى السلطان والعلماء:
وخلقت الدنيا زادا للمعاد ليتناول منها ما يصلح للتزود فلو تناولوها بالعدل لانقطعـت الخصومات وتعطل الفقهاء ولكنهم تناولوها بالشهوات فتولدت منها الخصومات فمست الحاجـة إلى سلطان يسوسهم واحتاج السلطان إلى قانون يسوسهم به فالفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات فكان الفقيه معلم السلطان ومرشده إلى
طرق سياسة الخلق وضبطهم لينتظم باستقامتهم أمورهم في الدنيا ولعمري إنه متعلق أيضا بالدين لكن لا بنفسه
بل بواسطـة الدنيا فإن الدنيا مزرعة الآخرة ولا يتم الدين إلا بالدنيا0
والملك والدين توأمان فالدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهـدوم وما لا حارس له فضائع ولا يتم الملك والضبط إلا بالسلطان ( كلام أبى حامد الغزالي
ويقول الشيخ الالبانى رحمه الله في كتابه فقه الواقع :
ولا بد أخيرا من تعريف المسلمين بأمر مهم جدا في هذا
الباب فأقول: يجب ألا يدفعنا الرضا بفقه الواقع بصورته الشرعية أو الانشغال به إلى ولوج أبواب السياسة المعاصرة الظالم أهلها مغترين بكلمات الساسة مرددين لأساليبهم غارقين بطرائقهم وإنما الواجب هو السير على السياسة الشرعية ألا وهي( رعاية شؤون الأمة ) ولا تكون هذه الرعاية إلا في ضوء الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح وبيد أولي الأمر من العلماء العاملين
والأمراء العادلين فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن0 [ انظر ( الدر المنثور )
أما تلك السياسة الغربية التي تفتح أبوابها وتغر أصحابها فلا دين لها ، وسائر من انساق خلفها أوغرق ببحرها أصابــه بأسها وضربه جحيمها لأنه انشغل بالفرع قبل الأصل فقه الواقع للألباني
ـــــــــــــــ
ـ ولا ينصح السلطان المسلم الذي يقيم شرع الله في الأرض إلا سرا إلا إذا جهر بالمعصية وتبجح عليها فيهتك ستره فقد ورد في كتاب جامع العلوم والحكم
أنصح الناس لك من خاف الله فيك وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرا حتى قال بعضهم من وعظ أخاه فيما بينه وبينـه فهي نصيحـة ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه 0
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ونهيـه عن المنكر فقال إن كنت فاعلا ولابد ففيما بينك وبينـه0
وقال الإمام أحمد رحمـه الله ليس على المسلم نصح الذمي وعليه نصح المسلم0 وقال النبي صلى الله عليه وسلم والنصح لكل مسلم وأن تنصح لجماعة المسلمين وعامتهم0
قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس أأمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر قال إن خفت أن يقتلك فلا، ثم عدت فقال لي مثل ذلك ، ثم عدت فقال لي مثـل ذلك وقال : إن كنت لابد فاعلا ففيما بينك وبينه0
وقال طاووس أتي رجـل ابن عباس فقال آلا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه قال لا تكن له فتنـة قال أفرأيت إن أمرني بمعصية الله قال ذلك الذي تريد فكن حينئذ رجلا 0
أما إذا كان السلطان المسلم يقيم شرع الله في الأرض ويعبد الناس لله لا يشركون به شيئا فانه لا يجوز الخروج عليه وإلا تعرض المرء تحت حد البغي وهو الخروج على
الحاكم المسلم الذي يطبق حدود الله ويقيم شرع الله في الأرض0
ورد في كتاب رياض الصالحين :
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ] 0
حديث حسن رواه أبوداوود
ـ وعن ابن عباس رضـي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلــم قال : [ من كره من أميره شيئا
فليصبـر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية] متفق عليه
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلــم يقول:[ من أهان السلطان أهانه الله ] 0
رواه الترمذي وقال حديث حسن . وفي الباب أحاديث
كثيرة في الصحيح .
وعلى السلطان المسلم أن يتخذ بطانة حسنة :
قال الله تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاالمتقين} (الزخرف67)
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله رواه البخاري
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكرّه وإن ذكر أعانه , وإذا أراد به غير
ذلك جعل له وزير سوء : إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه ] رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم
والذين يعطلون شرع الله من إقامته ويستبدلونه بقوانين وضعية على أهوائهم أو قوانين مستوردة من بلدان الكفر والضلال ويعتبرون أنفسهم طبقة المثقفين والراشدين ويعتبرون أنفسهم هم المتصرفون في شئون الناس وأنهـم من خواص الناس وأنهم فوق الناس بحصانتهم الوضعية ويشرعون للناس قوانين من دون الله ظنا منهم أنها تنفع الناس والصواب أنها تنفعهم هم فقط وهـم من المنافقين وهم داخلون فيما نعت الله به المنافقين 0
في قوله تعالى :
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنـوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُـــمُ اللّهُ مَرَضاً ۖ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا
كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13).إلى قوله تعالى : صم بكم عمى فهم لا يرجعون البقرة
وفى مثل قوله تعالى :
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُون أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِه وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدا 60وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً 61 النساء
وفى مثل قوله تعالى :وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسدَ
فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسلَ ۗ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة
معنى ( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) :
أي يمكن بالسلطان عند القلوب الضعيفـة الزائغة البصر عن الحقيقة في القرآن لشرع الله لبطشه بهم إذا ما زاغوا عن الحق:أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وسمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل يقول سمعت جدي يقول : سمعت محمد بن زياد الأعرابي يقول : قال بعض الحكماء خوفوا المؤمنين بالله وخوفوا المنافقين بالسلطان والمرائين بالناس0
وعن بعض العلماء خوفوا المؤمنين بالله والمنافقين بالسلطان والمرائين بالناس شعب الإيمان للبيهقى
فالمؤمن لا يخشى إلا الله ولا يخشى في الله لومة لائم ، والمنافق يخشى السلطان ويخشى الناس ولا يخشى الله 0
والسلطان هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو هو أمير المؤمنين عند قيامه بشـرع الله وتحقيق ذلك في
أرض الله0
يقول الإمام النووي في كتابه الأذكار حول تسمية السلطان بالخليفة أو خليفة رسول الله أو أمير المؤمنين0
في كتاب الأذكار للنووي:
فصل : ينبغي أن لا يُقال للقائم بأمر المسلمين خليفة اللّه
بل يقال الخليفة وخليفةُ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأميرُ المؤمنين0روينا في شرح السنّة للإِمام أبي محمد البغوي رضي اللّه عنه قال رحمه اللّه : لا بأسَ أن يُسمَّى القائم بأمر المسلمين أمير المؤمنين والخليفة وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له . قال : ويُسمَّى خليفة لأنه خلفَ الماضي قبلَه وقام مقامه . قال : ولا يسمى أحد خليفة اللّه تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسـلام . قال اللّه تعالى :
{ إني جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً } [ البقرة : 30 ]
وقال تعالى : { يا دَاوُدَ إنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفةً في الأرْضِ }
[ ص : 26 ]
وعن ابن أبي مُليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديـق رضي اللّه عنه : يا خليفة اللّه فقال :أنا خليفة محمد صلى اللّه عليه وسلـم وأنا راض بذلك0وقال رجلٌ لعمرَ بن
الخطاب رضي اللّه عنه : يا خليفة اللّه فقال : ويلَك لقد تناولتَ تناولاً بعيداً إن أُمّي سمّتني عمر فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ ثم كَبِرتُ فكُنِّيتُ أبا حفص فلو دعوتني به قبلتُ ثم وليتموني أمورَكم فسمَّيتُموني أمَير المؤمنين فلو دعوتني بذاك كفاك 0
وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردى البصـري الفقيه الشافعي في كتابه " الأحكام السلطانية " أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً لأنه خلفَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أُمتـه قال : فيجوز أن يُقال الخليفـة على الإِطلاق ويجوز خليفة رسول اللّه0
قال : واختلفوا في جواز قولنا خليفة اللّه فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه في خلقه ولقوله تعالى :
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ } فاطر : 39
وامتنع جمهورُ العلماء من ذلك ونسبُوا قائلَه إلى الفجور هذا كلام الماوردى
قلتُ : وأوّلُ مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم . وأما ما توهمه بعضُ الجهلة في مسيلمة فخطأٌ صريح وجهلٌ قبيح مخالف لإِجماع العلماء وكُتبهم متظاهرة على نقل الاتفاق على أن أوّل مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وقد ذكر الإِمام الحافظ أبو عمر بن عبد البـرّ في كتابه " الاستيعاب " في أسماء الصحابة رضي اللّه عنهم بيان تسمية عمر أمير المؤمنين أوّلاً وبيان سبب ذلك وأنه كان يُقال في أبي بكر رضي اللّه عنه خليفة رسول اللّه صلـى اللّه عليه وسلم ( انتهى كلام النووي
ـــــــــــــــــ
ولا بد للسلطان أن يقهرهم على أن يكونوا موحدين لله عابدين له فهو سلطانهم المسلم الموحد لله لا يشرك به شيئا0
فهو مسئول عنهم يعرف ما ينفعهم وما يضرهم لأن الشرك يضر الأمة ويمنع الرزق الطيب الحلال 0
يقول الله تبارك وتعالى :( البلد الطيب يخرج نباتـه بإذن
ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا )0
ـ فالبلد الذي يقيم شرع الله يأتيه الرزق بلا نكد ولا ضيق 0
والبلد الذي خبث يأتيه الرزق بالنكد والضيق لأن الله يرزق المؤمن والكافر ويرحم المؤمن والكافر : (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) فلم يفرق سبحانه وتعالى بين مؤمن وكافر في الرحمة بل كل الناس ، وكذا يرزق كل خلقه إلا أن المؤمن يبارك الله له في الرزق ولا يأتيه نكدا بل المؤمن يقنع بما رزقه الله حتى ولو ضيق الله على المؤمن الرزق فهو ابتلاء من الله ويصبر المؤمن على ذلك لأنه يصرف الأمر كله لله ولا يقنط بل يبشره الله على ذلك بقوله تعالى
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُــوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون 156 أُولَـئِكَ عَلَيْهـِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِـمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتدُونَ (157) البقرة
وقال الله تعالى :(لو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )
وقال الله تعالى : لأكلوا من فوقهم ومن تـحت أرجلهم
وأخرج الحاكم في المستدرك :
حدثنا علي بن حمشاد العدل ثنا أبو الجماهر محمد بن عثمان الدمشقي حدثني الهيثم بن حميد أخبرني أبو معبد حفص بن غيلان عن عطاء بن أبي رباح قال : كنت مع عبد الله بن عمر فأتاه فتى يسأله عن إسدال العمامة فقال ابن عمر : سأخبرك عن ذلك بعلم إن شاء الله تعالى قال : كنت عاشر عشرة في مسجد رسول الله صلـى الله عليه و سلم: أبو بكر و عمر و عثمان و علي و ابن
مسعود و حذيفة و ابن عوف و أبو سعيد الخدري رضي الله عنهم فجاء فتى من الأنصار فسلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جلس فقال : يا رسول الله أي المؤمنين أفضل ؟ قال : أحسنهم خلقا قال : فأي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم للموت ذكرا و أحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل بهم أولئك من الأكياس ثم سكت الفتى و أقبل عليه النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا معشر المهاجرين خمس إن ابتليتم بهن و نزل فيكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعملوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم يكن مضت في أسلافهم و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان عليهم و لم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا و لم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم من غيرهم و أخذوا بعض ما كان في أيديهــم و ما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا ألقى الله
بأسهم ثم أمر عبد الرحمن بن عوف يتجهز لسرية بعثه عليها و أصبح عبد الرحمن قد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء فأدناه النبي صلى الله عليه و سلم ثم نقضه و عممه
بعمامة بيضاء و أرسل من خلفه أربع أصابع أو نحو ذلك و قال : هكذا يا ابن عوف اعتم فإنه أعرب و أحسن ثم أمر النبي صلى الله عليه و سلم بلالا أن يدفع إليه اللواء فحمد الله و صلى على النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال : خذ ابن عوف فاغزوا جميعا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا و لا تغدروا و لا تمثلوا و لا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله و سيرة نبيه صلى الله عليه و سلم هذا حديث صحيح الإسناد 0
تعليق الذهبي قي التلخيص : صحيح
فبالإيمان يزداد الرزق ويبارك الله فيه .. وأي إيمان هذا إذا نحى وترك شرع الله جانبا واستبدل بقوانين لا تمت لبلدنا وعادتنا بصلة فنرى مرة أنها قوانين اشتراكية أو ديمقراطية مستوردة من بلاد الشرق والغرب أو قانون فرنسي لان
البلاد كانت تخضع للاحتلال الفرنسي وغير ذلك مما لا يخفى على الناس!! ولكن نقول أين قوانين الله الذي خلقنا ولم نك شيئا وأنعـم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى ثم نترك شرعه على أنه لا يصلح وعلى انه شرع رجعى لا يناسب إلا زمان أهل البدو والصحراء كما تزعم الفئة التي تدعى أنها مثقفة وأنها أمينة على المجتمع ولم يعلموا أن الله أنزل الشـرع يحفظ ضروريات الحياة التي لا ينفك أي مجتمع عن إقامة هذه الضروريات وهى كما قدمنا حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال 0
فلا تجد مجتمـع فيه خلل في أحد هذه الضروريات إلا ومآله إلى الزوال0
فإذا كان المجتمع فيه أناس يعمرونه وعندهم من النسل والعقل والمال وليس عندهم دين فتجده مجتمع مآله إلى زوال0
وإذا ما كان المجتمع فيه الدين والأنفس والعقل والمال وليس فيه تناسل فهو لا شك مآله إلى زوال0
وإذا كان المجتمع فيه الدين والأنفس والعقل والنسل وليس فيه مال فهو لا محالة مآله إلى الزوال0
وإذا كان المجتمع فيه الدين والأنفس والمال والنسل وليس
فيه العقل السليم فهو مآله إلى زوال0
وإذا كان المجتمع فيه الدين النسل والعقل والمال وأناسه مرضى وينقرضون فهو لا شك مآله إلى الزوال 0
وقس على ذلك كل المجتمعات بل وكل بيت صغير
وأن الله تعالى نزل الكتاب وما فرط فيه من شيء وجعله تبيانا لكل شيء وتركنا الرسول الكريم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك0
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري
عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه:عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل ) 0
( عجب الله ) رضي عن ذلك وأثاب عليه ( في السلاسل ) هو مجاز عن دخولهم في الإسلام مكرهين ثم
يحسن حالهم فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة 0
حدثنا عبيد بن غنام ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي عن الأعمش عن الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي
إمامة قال : استضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال :عجبت لأقوام يساقون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون البخاري
( عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس } .
قال خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهـم حتى يدخلوا في الإسلام أبو داوود
حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد يعني ابن سلمة قال أخبرنا محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " عجب ربنا عز وجل من قوم يقادون إلى الجنـة في السلاسل0 المعجم الكبير
فالناس يطيعون سلطانهم حيث لا حول ولا قوة لهم إلا
بالله ويصبرون على أذى حكامهم فهم طائعون لهم وفيهـم الخير الكثير ويصبر الحكام على أذى الرعية لهم إلا أنه لا يوجد من يبحث عن الخير الذي فيهم فعليه أن
يطيع الله و يجعلهم يطيعوه في طاعة الله وأن يعبدهم لله فان الخليفة أو السلطان عبادته أن يعبد الناس لله لا يشركون به شيئا 0
فمن قدم القانون الوضعي على قوانين الله وأحكامه ومتعمدا لذلك فقد كفر وأشرك بالله وهذا لا خلاف فيـه عند علماء الأمة جميعهم قال الله تعالى : ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ) 44المائدة
قال ابن عباس هو كفر دون كفر0
وهذه القولة أيضا فيها من الذم ما لا تقبله النفس السوية، فالنفس التي فطرها الله على فعل الخيرات لا تقبل بأن يقال عليها أنها نفس كافرة أو فاسقة أو منافقة أو عاصية ولا تستمرىء ذلك ولا ترضاه حتى ولو كانت هذه الأوصاف لا تخرج من الملة فإنها ألفاظ مذمومة لا يقبلها
المرء الصالح0
فهو كفر أيضا إلا أنه أقل من كفر من يعتقد أن حكمه أفضل من حكم الله فمن اعتقد أن حكمه أفضل من حكم الله فقد كفر اجماعا0
ومن لم يعتقد أن حكمه الوضعي أفضل من حكم الله ولكنه ترك إقامته خشية فتنة المتربصين به أو خشية بطانته أو خشية دول تتربص بوطنه إذا ما هو أقام شرع الله في أرض الله أو متأولا فأيضا قد كفر إلا أنه كفر أقل من الأول لا يخرج من الملة0ولكن النفس السوية لا تقبل أن تكون كافرة بالله حتى ولو كان هذا الكفر لا يخرج من الملة، فاحذروا من ذلك 0
والتوبة إلى الله عز وجل مالم يغرغر0
قال الله تعالى : إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) النساء
والحكمة من هذه الحدود أو العقوبات هو زجر الناس وردعهم عن اقتراف تلك الجرائم وصيانة المجتمع عن
الفساد والتطهر من الذنوب0
قال ابن تيمية : من رحمة الله سبحانه وتعالى أن شّرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال والقتل والجراح والقذف والسرقة0فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع فلم يشرع في الكذب قطــع اللسان ولا القتل ولا في الزنا الخصاء ، ولا في السرقة إعدام النفس وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمتـه ولطفه وإحسانه وعدله لتزول النوائب وتنقطـع الأطماع
عن التظالم والعدوان ويقتنع إنسان بما أتاه مالكه وخالقه فلا يطمع في استلاب غيره حقه )
السياسة الشرعية لابن تيمية
فإذا نظرنا إلى الجرائم التي رتبت الحدود من أجلها نجدها
جرائم موغلة في الفساد وما من واحــد منها إلا ويسبب خلل في المجتمع عند ارتكابه ويمس الأصول الخمسة لحفظ الحياة وهى الضروريات الكلية من حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ العقل وحفظ المال0
فالردة مخلة بحفظ الدين ـ والقتل مخل بحفظ النفس 0
والزنا والقذف مخلان بحفظ النسل والأنساب والأعراض والأموال عند التوريث 0
والحرابة والسرقـة مخلان بحفظ المال والنفس ـ وشرب المسكرات والمفترات مخل بحفظ العقل 0
وهذه الجرائم والمعاصي التي أوجب الشارع الحد عليها يتعدى ضررها إلى الغير بل والى الأمة بكاملها وكما أنها
متفاوتـة بينها في الآثار السلبيـة التي تترتب عليها فان
العقوبة أيضا عليها متفاوتة في نظر الشارع الحكيم0
ويوم أن كانت الأمم الإسلامية تعمل بدين الله وتحتكم إلى شريعته وتقيم حدوده كانت على أحسن ما تكون
صيانـة للدين وصيانة للدماء والأنساب والأعراض والعقول والأجسام والأموال ومن يوم فرطت هذه الأمم في إقامة شرع الله ومنهجه آلت إلى ما آلت إليه من ذلة وانكسار وطمع غير المسلميـن في بلاد المسلمين كما نرى اليوم 0فان شريعتنا لتنادينا أن أقيموا شرع الله العليم الخبير الحكيم تصلح لكم أمور دينكم ودنياكم ويكتب الله لكم العزة والنصر0هلموا إلى داعي الله ـ هلموا إلى كتاب الله والى سنة رسول الله حتى تستقيم لكم الدنيا وتكون لكم الآخرة خير وأبقى عند الله (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
ويقول تعالى :( وسابقوا إلى مغفرة من ربكم ..)
ويقول تعالى :( يا قومنا أجيبوا داعي الله وأمنوا به يغفر
لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونـه أولياء أولئك في ضلال مبين 0
واعلموا أنه لن يتحقق لكم الإيمان إلا إذا استجبتم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إذا دعاكم لما يحييكم0
واعلموا أنه لن يتحقق لكم إيمان إلا إذا رضيتـم وأذعنتم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم0
اللهم بلغت اللهم فاشهد
ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه..
لأنه حق لله تعالى فيفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن من استيفائه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحد في حياته وخلفاؤه بعده ولا يلزم حضور الإمام إقامته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها ] وأمر برجـم ماعز ولم يحضر
وأتي بسارق فقال :
[ اذهبوا به فاقطعوه ] وجميع الحدود في هذا سواء حد القذف وغيره لأنه لا يؤمن فيه الحيف والزيادة على الواجب ويفتقر إلى الاجتهاد فأشبه سائر الحدود0
الفرق بين الحد والقصاص :
الحد حق خالص لله لا يجوز فيه كما قدمنا العفو ولا الاستبدال بعقوبة أشد أو أخف أو التأجيل0
أما القصاص ففيه التنازل من القصاص إلى الديــة وفيه العفو المطلق لأولياء المقتول 0
الفرق بين الحد والتعزير :
الحد عقوبات مقدرة ولا يجوز فيها القياس أو الاستبدال
أما التعزير فهو عقوبة غير مقدرة بقدر محدد وهو دون الحد ولا يتجاوزه ولا يساويه فهو عقوبة تأديبية وهو عقوبة متروكة لتقدير الحاكم أو من ينيبه من القضاة ويكون التعزير بالقول أو بالحبس أو بالضرب أو بالمال ويكون في المعاصي التي لم يرد فيها حد أو عقوبة
منصوص عليها .
حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " لا يجلد
فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل "
قال الشيخ الألباني :صحيح

اللهم بلغت اللهم فاشهد
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
ـــــــــــــــــ





تنبيه
*********
في معظم الدول الإسلامية الآن لا تقام الحدود فما هو حكم من ارتكب حدا من هذه الحدود في حق الله تبارك وتعالى ؟
الجواب :حكمه في ذلك أنه في ستر الله إن شاء عذب وان شاء غفر الله له لأنه لا يجوز أن يقيم الحد إلا الحاكم المسلم أو من ينيبه فإذا غاب ذلك عن المجتمعات الإسلامية فمرتكب الحد كما ذكرنا في ستر الله عز وجل ولا يحق لأحد أن يقيم الحد دون الإمام أو من ينيبه لا على نفسه ولا على غيره حتى لا تحدث فوضى في المجتمعات ويتبـع كل ذي هوى هواه0
أما الأحكام التي تحكم على الناس بالقوانين الوضعية مثل حبس السارق أو حبس الزاني أو غير ذلك من مواد القوانين الوضعية في البلدان الإسلامية فهي تشريع من دون الله ولا يجـــوز إقامتها على الناس لأنها ليست
تشريعات من عند الله بل هي من عند الناس0
والأولى إقامة شرع الله على عباده في الأرض وإلغاء هذه القوانين الوضعية0فالله تبارك وتعالى يوم القيامة يحاسب العبد على ما اقترفه من زنا وسرقة وغير ذلك من العقوبات والكبائر التي نهى عنها عز وجل وبينها في كتابه العزيز وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ويشفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة 0
( شفاعتى لأهل الكبائر من أمتي )0
والعقوبة الدنيوية في الشرع من إقامة الحدود والتعزيزات والكفارات تسقط العقوبة الأخروية عند الله كما وضحنا في حديث البيعة 0
فإذا ظن العبد أنه بقضائه العقوبات الدنيوية الوضعية دون الشرعية أنه سقط من عليه جرمه عند الله فهو واهم إلا أن يتغمده الله برحمته ، فان ظن أنه قضى عقوبـة السجن في الزنا أو في السرقــة أو ما إلى غير ذلك من العقوبات التي يحكم بها الناس في المحاكم على أنها مسقطة
للعقوبة عند الله فهو واهم لأنها ليست من تشريع الله عز وجل ، بل الغالب أن الله سيحاسب من سن هذه القوانين ومن حكم بها ومن اختصم عليها ودافــع عنها ومن نفذها المشارك والمعاون في ذلك كالمباشر تماما سواء بسواء، وأيضا من جعلها إصرا وقيدا على رقاب العباد من دون الله لأنه استبدل حكم الله غير مبال لذلك وقد ظلم العباد بإمضاء حكم عليهم لم ينتهي عند الله بعد ـ إلا إذا اضطر للجوء إلى المحاكم للحصول على حقه بالعدل دون ظلم لنفسه ولغيره ويكون ذلك في أضيق حدود ولا يتبسط في ذلك بل يكون ذلك عند الاضطرار خاصة في البلدان التي لا تحكم بشرع الله سواء أكان سكانها من المسلمين أو غير المسلمين ولو أنه احتسب الأمر عند الله لكان خير له حيث المعتقد الصحيح أن الله ليس بظلام للعبيد وأننا سنلاقى الله ولا شك في ذلك يوم القيامة حيث الراجح حسناته في الميزان وحيث المفلس الذي أكل مال هذا وشتم ونال من عرض هذا0
يقول الله عز وجل : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) النساء
ويقول الله عز وجل : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء
ويقول عز من قائل :
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُـمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
*****************


يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله فى رسالة له صادرة من الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية حول وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه 0
وقد أوردتها لما فيها من فائدة هذا نصها :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، ورب الناس أجمعين، مالك الملك، الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، بلغ الرسالة وأدّى
الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك أما بعد: فهذه رسالة موجزة ونصيحة لازمة في وجوب التحاكم إلى شرع الله، والتحذير من التحاكم إلى غيره، كتبتها لما رأيت وقوع بعض الناس في هذا الزمان في تحكيم غير
شرع الله، والتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، من العرافين والكهان وكبار عشائر البادية، ورجال القانون الوضعي وأشباههم، جهلا من بعضهم لحكم عملهم ذلك، ومعاندة ومحادة لله ورسوله من آخرين، وأرجو أن تكون نصيحتي هذه معلمة للجاهلين، ومذكرة للغافلين، وسببا في استقامة عباد الله على صراطه المستقيم، كما قال تعالى:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } وقال سبحانه: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: « كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلـم على حمار، فقال: يا
معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا، قال: قلت: يا رسول الله
أفلا أبشر الناس؟ قال لا تبشرهم فيتكلوا » رواه البخاري ومسلم0
وقد فسر العلماء رحمهم الله العبادة بمعان متقاربة من أجمعها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ يقول: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهذا يدل على أن العبادة تقتضي: الانقياد التام لله تعالى، أمرًا ونهيًا واعتقادًا وقولًا وعملًا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله، يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع الله، متجردًا من حظوظ نفسه ونوازع هواه، ليستوي في هذا الفرد والجماعة، والرجل والمرأة، فلا يكون عابدا لله من خضع لربه في
بعض جوانب حياته، وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، وهذا المعنى يؤكده قول الله تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وقوله
سبحانه وتعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به »
فلا يتم إيمان العبد إلا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئونه، في الأنفس والأموال والأعراض، وإلا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له، كما قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ
أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا }
والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو رب الناس، وإلههم، وهو الذي خلقهم وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحييهم ويميتهم، ويحاسبهم ويجازيهم، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه قال تعالى: { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } فكما أنه الخالق وحده، فهو الآمر سبحانه، والواجب طاعة أمره .
وقد حكى الله عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، لما أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، قال الله تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
وقد روي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه ظن أن عبادة الأحبار والرهبان إنما تكون في الذبح لهم، والنذر لهم، والسجود والركوع لهم فقط ونحو ذلك، وذلك عندما « قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا وسمعه يقرأ هذه الآية. فقال: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم، يريد بذلك النصارى حيث كان نصرانيا قبل إسلامه، قال صلى الله عليه وسلم: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم فتحلونه؟ قال بلى قال فتلك عبادتهم » رواه أحمد والترمذي وحسنه .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (ولهذا قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا } أي الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام، وما حلله فهو الحلال، وما شرعه اتبع، وما حكم به نفذ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد، والأولاد لا إله إلا هو ولا رب سواه)
_________
إذا علم أن التحاكم إلى شرع الله من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فإن التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والعرافين ونحوهم ينافي الإيمان بالله عز وجل، وهو كفر وظلم وفسق، يقول الله تعالى:
{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ويقول عز وجل:
{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ }{ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
ويقول عز وجل: { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
وبيّن تعالى أن الحكم بغير ما أنزل الله حكم الجاهلين،
وأن الإعراض عن حكم الله تعالى سبب لحلول عقابه، وبأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين، يقول سبحانه:
{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }
{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
وإن القارئ لهذه الآية والمتدبر لها يتبين له أن الأمر بالتحاكم إلى ما أنزل الله، أكد بمؤكدات ثمانية:
الأول:الأمر به في قوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }
الثاني: أن لا تكون أهواء الناس ورغباتهم مانعة من الحكم به بأي حال من الأحوال وذلك في قوله: { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }
الثالث: التحذير من عدم تحكيم شرع الله في القليل والكثير، والصغير والكبير، بقوله سبحانه: { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ }
الرابع: أن التولي عن حكم الله وعدم قبول شيء منه ذنب عظيم موجب للعقاب الأليم، قال تعالى: { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ }
الخامس: التحذير من الاغترار بكثرة المعرضين عن حكم الله، فإن الشكور من عباد الله قليل، يقول تعالى: { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }
السادس: وصف الحكم بغير ما أنزل الله بأنه حكم الجاهلية، يقول سبحانه: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ }
السابع: تقرير المعنى العظيم بأن حكم الله أحسن الأحكام وأعدلها، يقول عز وجل:{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا }
الثامن: أن مقتضى اليقين هو العلم بأن حكم الله هو خير الأحكام وأكملها، وأتمها وأعدلها، وأن الواجب الانقياد
له، مع الرضا والتسليم، يقول سبحانه: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
وهذه المعاني موجودة في آيات كثيرة في القرآن، وتدل عليها أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله، فمن ذلك قوله سبحانه: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
وقوله:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الآية.
وقوله: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ }
وقوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }
وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به » قال النووي : حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعدي بن حاتم :
« أليسوا يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال بلى قال فتلك عبادتهم » وقال ابن
عباس رضي الله عنه لبعض من جادله في بعض المسائل: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر )
ومعنى هذا: أن العبد يجب عليه الانقياد التام لقول الله تعالى، وقول رسوله، وتقديمهما على قول كل أحد، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة .
وإذا كان من مقتضى رحمته وحكمته سبحانه وتعالى أن يكون التحاكم بين العباد بشرعه ووحيه؛ لأنه سبحانه المنزه عما يصيب البشر من الضعف، والهوى والعجز والجهل، فهو سبحانه الحكيم العليم اللطيف الخبير، يعلم أحوال عباده وما يصلحهم، وما يصلح لهم في حاضرهم ومستقبلهم، ومن تمام رحمته أن تولى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشئون الحياة ليتحقق لهم العدل والخير والسعادة، بل والرضا والاطمئنان النفسي، والراحة
القلبية؛ ذلك أن العبد إذا علم أن الحكم الصادر في قضية يخاصم فيها هو حكم الله الخالق العليم الخبير، قبل ورضي
وسلم، وحتى ولو كان الحكم خلاف ما يهوى ويريد، بخلاف ما إذا علم أن الحكم صادر من أناس بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم، فإنه لا يرضى ويستمر في المطالبة والمخاصمة.. ولذلك لا ينقطع النزاع، ويدوم الخلاف، وأن الله سبحانه وتعالى إذ يوجب على العباد التحاكم إلى وحيه، رحمة بهم وإحسانا إليهم، فإنه سبحانه بيّن الطريق العام لذلك أتم بيان وأوضحه بقوله سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } والآية وإن كان فيها التوجيه العام للحاكم والمحكوم والراعي
والرعية، فإن فيها مع ذلك توجيه القضاة إلى الحكم بالعدل، فقد أمرهم بأن يحكموا بالعدل، وأمر المؤمنين أن
يقبلوا ذلك الحكم الذي هو مقتضى ما شرعه الله سبحانه، وأنزله على رسوله، وأن يردوا الأمر إلى الله ورسوله في حال التنازع والاختلاف .
(خاتمة رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز فى وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه )
ومما تقدم يتبين لك أيها المسلم أن تحكيم شرع الله والتحاكم إليه مما أوجبه الله ورسوله،
وأنه مقتضى العبودية لله والشهادة بالرسالة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم،
وأن الإعراض عن ذلك أو شيء منه موجب لعذاب الله وعقابه، وهذا الأمر سواء بالنسبة لما تعامل به الدولة رعيتها، أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كل مكان وزمان، وفي حال الاختلاف والتنازع الخاص والعام، سواء كان بين دولة وأخرى، أو بين جماعــة
وجماعة، أو بين مسلم وآخر، الحكم في ذلك كله سواء، فالله سبحانه له الخلق والأمر، وهو أحكم الحاكمين، ولا
إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو تماثله وتشابهه، أو أجاز أن يحل محلها الأحكام الوضعية والأنظمة البشرية، وإن كان معتقدا بأن أحكام الله خير وأكمل وأعدل.. فالواجب على عامة المسلمين وأمرائهم وحكامهم، وأهل الحل والعقد فيهم: أن يتقوا الله عز وجل ويحكموا شريعته في بلدانهم وسائر شئونهم، وأن يقوا أنفسهم ومن تحت ولايتهم عذاب الله في الدنيا والآخرة، وأن يعتبروا بما حل في البلدان التي أعرضت عن حكم الله، وسارت في ركاب من قلد الغربيين، واتبع طريقتهم، من الاختلاف والتفرق وضروب الفتن، وقلة الخيرات، وكون بعضهم يقتل بعضا، ولا يزال الأمر عندهم في شدة، ولن تصلح أحوالهم ويرفع تسلط الأعداء عليهم سياسيا وفكريا إلا إذا عادوا إلى الله سبحانه، وسلكوا سبيله المستقيم الذي
رضيه لعباده، وأمرهم به ووعدهم به جنات النعيم، وصدق سبحانه إذ يقول: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ
لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }{ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا }{ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } ولا أعظم من الضنك الذي عاقب الله به من عصاه، ولم يستجب لأوامره، فاستبدل أحكام المخلوق الضعيف، بأحكام الله رب العالمين، وما أسفه رأي من لديه كلام الله تعالى، لينطق بالحق ويفصل في الأمور، ويبين الطريق ويهدي الضال، ثم ينبذه ليأخذ بدلا منه أقوال رجل من الناس، أو نظام دولة من الدول، ألم يعلم هؤلاء أنهم خسروا الدنيا والآخرة فلم يحصلوا الفلاح والسعادة في الدنيا، ولم يسلموا من عقاب الله وعذابه يوم القيامة .
أسأل الله أن يجعل كلمتي هذه مذكرة للقوم، ومنبهة لهم للتفكر في أحوالهم، والنظر فيما فعلوه بأنفسهم وشعوبهم، فيعودوا إلى رشدهم، ويلزموا كتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ، ليكونوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حقا، وليرفع ذكرهم بين شعوب الأرض،
كما ارتفع به ذكر السلف الصالح، والقرون المفضلة من هذه الأمة، حتى ملكوا الأرض وسادوا الدنيا، ودانت لهم العباد، كل ذلك بنصر الله الذي ينصر عباده المؤمنين الذين استجابوا له ولرسوله، ألا ليتهم يعلمون. أي كنز أضاعوا وأي جرم ارتكبوا، وما جروه على أممهم من البلاء والمصائب قال الله تعالى: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } . وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ما معناه: « أن القرآن يرفع من الصدور والمصاحف في آخر الزمان، » حين يزهد فيه أهله، ويعرضون عنه تلاوة وتحكيما فالحذر الحذر أن يصاب المسلمون بهذه المصيبة، أو تصاب بها أجيالهم المقبلة؛ بسبب صنيعهم فإنا لله وإنا إليه راجعون .
نفعنا الله وإياكم بهذه المذكرة الموجزة في أهمية إقامة حدود الله في المجتمع لإصلاحه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا0

المصادر :
ـ لسان العرب ـ كتاب التعريفات ـ سنن البيهقي
ـ سنن النسائي ـ فقه الواقع للألباني ـ المعجم الكبيرـ مصنف ابن أبى شيبة ـ الأذكار للنووي ـ فتاوى ابن تيمية ـ الطرق الحكمية لابن القيمـ جامع العلوم والحكم ــ رياض الصالحين ـ شعب الإيمان للبيهقىـ المستدرك للحاكم ـ البخاري ومسلم ـ سنن أبو داوود والنسائي0
ـ الحدود في الإسلام لفضيلة الدكتور محمد أبو شهبة0
ـ رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز بنصها حول تحكيم شرع ونبذ ماخالفه0

رقم الإيداع بدار الكتب المصرية
5109/ 2008
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
0161582029

ليست هناك تعليقات: